وقفتُ ، ثمّ جلستُ ، تأمـّلت الصفحة بامتعاض ، أخذت سجارة أخرى ، ولـّعتها بذنب سجارة سبقتها ، ثمّ سحقـْت الذنـَب بقدمي ، نظرت حول مقعدي ، أعُدّ... تسعة وعشرون ذنـَبًا ، إستهلاك عادي ، في مهلة ثلاث ساعات. وقفت ، أربع خطوات تفصل المكتب عن النافذة ، إقتربت تراءت لي امرأة تنشر غسيلا في شرفة بالعمارة المقابلة لي ، شربت من سجارتي ، نفثت الدخان من أنفي ، وأنا أتخيّل نفسي مكان طفلها الصغير ، فوق ظهرها ، لاكن كيف العمل ، قامتي أطول ورجلاي ستجرجران على الأرض ، ثمّ هل ستتمكـّن السيدة من حملي!. شربت من سجارتي ، قطعت الخطوات ، جلست إلى مكتبي ، أخذت قلمي ثواني ثمّ وضعته على صفحتي ، إنتبهت لـعلبة سمك مصبر فارغة على المكتب، لا أتذكر هل هي من بقايا وجبة غذاء يومي، أو من عشاء بارحتي، أو من يومين أو ثلاثة ، ثمّ ، كم من وقت قضيت دون مغادرة غرفتي ، إلاّ لإقتناء السجائر وعلب السردين المصبر . وقفت ، قطعت خمس خطوات تفصلني عن المرحاض ، تماثلت كمن يقضي حاجته ، سجارتي بفمي ، تخيلت ، لو مليار مسلم في وقت واحد ، ألقوْا بخرائهم على الصهاينة ، سيـتصاعدُ الخراء كجبل يضاهي قمم الهملايا . رجعت للمكتب أخذت قلمي كتبت كلمة ، ثم شطـّبت عليها ، وضعت القلم ، أخذت سجارة ولـّعتها بالذنب ، سحقت الذنب ، أعدت الحساب ، ثلاثون ذنـَبًا ، عدد سنوات عمر أهدرته دون نتيجة ، حتى رسالة لست قادر على خطـّها . وقفت ، إقتربت من النافذة ، ضجة في الشارع ، شرطيّ يعامل بعنف شابّة من بائعات الشهوات وحُلـْوِ الأوقات ، زميله يفرّق بعنف مجموعة من شباب الحومة ، همّهم إغاثة جارتهم وأفتن عاهرات حيّهم . خطر ببالي فتح النافذة ، والصياح بأعلى صوتي " يسقط النظام ويحيى الشعب" تراجعت عن فكرتي ، لأنـّي أخاف أن يلطـّخ الربيع العربي رصيف زنقتي ، بدماء أطفال حارتي... ولأني أكره أن تـُقدّمني قناة الجزيرة ، بطل لحظة في مسرحية الدمقراطية العربية ، من إخراج غير عربي ، وتوزيع ... خليج عربي. رجعت لمكتبي وأنا أدخن آلِـيًّ سجارتي ، جلست على مقعدي ، تأمـّلتُ صفحتي ، أخذت قلمي وكتبت رسالتي : "من ضمير ميّت ، طول الحلم وإجهاض الأمل ، أفقده القدرة على معايشة الواقع ، والطاقة على مقاومة الفشل المزروع في النفوس ، إلى من أكرهني على فعلٍ شنيعٍ ، ب 'إسم السلفيّة والإسلام' ، وبعدُ ، قنبلتكم لن أفجـّرها في 'أيام زمان' : الملهى الليلي ، بضاعتكمْ رُدّتْ إليكمْ ، قد وضعتها في بُؤرَتِكمْ ، تحت منبر مسجدكم ، ستكتبون غذا شهداءًا ، حين صلاة فجركم ، وسأسبقكم أنا ، لإعداد إستقبالكم في منازلَ جحيم الخلد ، أعدّت لي ولكم. ولا سلام ، على من أجرم ب إسم الإسلام " وقفت ، ولـّعت آخر سجارة بآخر ذنب سجارة ، تأمـّلتُ غسيل الجارة على شرفتها ، ثمّ خمس خطوات وارتميت على الفراش ، أخرجت المسدّس السلفيّ من تحت وسادتي ، وضعت فاهَـهُ داخل فمي، وشربت الرصاصة ، كما تعودت شرب سجائري. بقلم ملثم
الموضوع الأصلي :
رســـالة قـــبل النـــهاية ... بقلمي الكاتب :
zouzrab المصدر :
شركة عرب سوفت التطويرية التوقيع توقيع zouzrab 
الجمعة 18 أغسطس 2017, 7:31 pm
موضوع: رســـالة قـــبل النـــهاية ... بقلمي 
